لا تملك الا الدموع و الحسرة و الوجل
من كتاب قصص التائبين ...عنبر الحياة (( الاعدام سابقا ))
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اخوتى و اخواتى بارك الله فيكم
نحن نسيء و نحسن ثم نسيء و ها هى ايامنا و اوقاتنا و اعمارنا و حياتنا كلها تمضى ما بين هذا و ذاك و الله وحده اعلم على اى حال ستكون الخاتمة و على اى عمل سياتينا ملك الموت
كتاب يهز القلوب و يدمع العيون لشيخنا الفاضل احمد فريد حفظه الله
من قصة الى قصة و من صفحة الى اخرى
قال ابو عبد الرحمن : فى عام 1998 ميلادية ذهبت الى زيارة بعض اقاربي وكان التلفاز ساعتها يعرض برنامج اسمه المواجهة وكان المذيع يجري حوار بين شابين يرتديان الزى الاحمر _ زى الاعدام _ فجذبنى هذا المشهد مشهد المتهم الاول وهو يبكي ويقول : انا لا اريد حكم الاعدام بالمشنقة ولكننى اريد ان يذهب بي الى مكان عام فيطبق فى حكم الله الا وهو القصاص بحيث يأتى والد الطفلين الذين قتلتهما فيأخذ نفس السكين فيضربني بيده الخمسة عشر طعنة او السبعة عشر طعنة التى يقولون بأنى ضربت بها الطفلين تلك الطعنات التى لم اشعر بها ابدا_ (( ارتكب جريمته وهو لا يشعر لانه تعاطى كميه كبيره من المخدرات ))_
وفاضت عيناه بالدموع فتهكم عليه المذيع قائلا : ابعد لباس الاحمر ترجع الى الله وتتوب ؟؟
فقال له : اعلم ان دخلى كبير جدا ولم يعرف احد اننى القاتل وابي له مركز مرموق وكان ابو الطفلين صديقا لوالدى يعني انه من الصعب ان تحوم شبهة هذه الجريمة حولى ورغم ذلك سلمت نفسي بنفسي ولم ابال بالمركز او المال او الدنيا ورجائي ان يقام على القصاص عسي الله ان يغفر لى فتأثرت جدا بحديث الشاب وتعجبت من صراحته وصدقه فقلت لمن حولى : والله انى لاشم فى هذا الشاب رائحة التوبة وارجو من الله عزوجل ان يجعله من الصادقين وانتهى الامر على ذلك حتى كان عام 2000 م وقد قدر الله عزوجل ان اعتقل فى سجن الحضرة بالاسكندريه وكان هذا الشاب مسجونا فى هذا السجن ويسكن فى عنبر الاعدام فسألت عنه وعن حاله مع الله عزوجل فقالوا لى انه بخير حال مواظب على الذكر والصلاة فدعوت الله عزوجل ان يثبته على التوبة حتى الممات وتمر الايام تلو الايام ثم يصدر قرار باخلاء السجن لترميمه وتعميره فانتقلنا الى سجن برج العرب وهناك ما احسن مجريات القدر ؛ فقد شاء الله عزوجل ان يكون مسكنى فى عنبر الاعدام اسكن بجوار هؤلاء الذين فقدوا كل شىء ولم يبق لهم من الحياة سوى خطوات تسرع بها الايام بل تسرع بهم الدقائق والثواني بل تسرع بها الانفاس وكلهم فى حالة ترقب وانتظار لاخر خطوة تلك التى يكون بعدها الموت ثم الرجوع الى الله عزوجل فاما الى جنة ابدا واما الى نار تلظى
فاخذت اتامل فى هذه الحياة المرعبة ان لم تكن عامرة بذكر الله عزوجل واتخيل تلك اللحظات التى ينتظر كل واحد منهم ان يساق فيها الى الموت وهو ينظر وقد وضعت نفسي للحظات فى نفس حالتهم وترقبهم لما يترقبون ولا اكذب عليكم ؛ لم اطق تلك اللحظات ؟؟ ففررت منها فرارى من الاسد الى حياتى العاديه ؛ فسبحان من جعلهم يتحملون هذه الحياة وصبرهم على ما هم فيها من الكرب العظيم
وكان اول ما سمعته فى هذا المكان الكئيب هو صوت الاذان قد ارتفع به صوت عذب ندى رخيم قادم من احدى حجرات المحكوم عليهم بالاعدام فتأثرت جدا بعذوبة هذا الصوت ونبراته الصادقة وكأنه ينطق بأمارات الاخلاص والصدق .
بعد اداء الصلاة سلمت على هؤلاء الشباب من خلال الحجرات فرد على احدهم بصوت طفولى وعليكم السلام ورحمة الله فسألته عن صاحبي صاحب ابشع جريمة فى مصر احى هو ؟ قال نعم مازال حى الحمد لله لكنه ينتظر لحظة التنفيذ ؛ فلما اصبح الصباح وفتحت لنا الابواب توجهت الى حجرتهم اسال عن صاحبي
كنت اذكر اسمه وصورته فرأيته فرفرفت لرؤياه روحى ورقص لها قلبي وقد رأيته يقرأ فى كتاب الله عزوجل
قلت له السلام عليك يا حبيبي ورحمة الله وبركاته ؛ نظر متعجبا ورد السلام وقال لى هل تعرفنى ؟؟ قلت له اعرفك جيدا وقد احببتك حبا شديدا وذكرته بتلك الحلقة التى رأيته فيها
وذكرت له كلامه بالحرف الواحد فلما سمعه اعتنقنى وبكى ثم قال وهل من الممكن ان يغفر الله لى بعد ما قتلت طفلين بريئين ؟؟هل من الممكن ان يتقبل الله منى توبتي ؟؟ سبحان الله كيف يحببنى الله بعد ارتكابي لهذا الذنب العظيم !!
فقلت له يا اخى ااما قتلك الطفلين فانه حتما ذنب عظيم لكن عفو الله اعظم واما بالنسبه للتوبة فاعلم انها من الله وبفضله فكل توبة من العبد محفوظه بتوبتين من الله عزوجل ؛ توبة قبلها وتوبة بعدها لو كان الله عزوجل لا يريدك فلماذ انعم عليك بتوبة محفوظة بتوبتين ؟
واما حبي لك فانا ارجو ان تكون من الصادقين فى هذه التوبة ؛ ومن صدق فى التوبة احبه الله واحبته الملائكة ووضع له القبول فى الارض....
فما اضوء وجهه بعدما سمع هذا الكلام كأن جبل من الظلام قد انكشف عن عينيه وحل محله جبال من النور والفرح والسرور فقال لى لقد كنت اعبد الله عزوجل فيما مضى على وجل قريب من اليأس لعظم ما ارتكبت يداى اما الان فانا اعبد الله على وجل يزينه الحب ويحمله الشوق للقاء ارحم الراحمين .
فعلمته بعض العبادات الطيبة مثل قيام الليل بألف اية ليكون من المقنطرين وحفظ القران ليرتقى بكل اية منه درجة فى الجنة والاكثار من الصدقات الجاريه والعادية ليطفىء غضب الرب
سبحان ربي الهادى الى سواء السبيل .. لقد كان من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه فكانت لا تمر عليه ليلة الا وهو يصلى فيها بالف اية وكان كثير الحفظ لايات القران وكان سخي النفس يؤثر اخوانه على نفسه يعطيهم طعامه وشرابه يفعل ذلك فى الجهر احيانا وفى السر احيانا كثيرا ؛ لكن يظهره الله برحمته حتى احبه كل من راه او سمع به وبعبادته وكان لا ينام وحق لمن وجد لذة الايمان الا ينام الليل الا اذا غلبه
وكان بين الحين يذكر اخوانه برحمة الله الواسعة ويذكرهم بذنوبهم العظيمة لكى يطيروا الى الله بجناحى الخوف والرجاء ...
وفى يوم 20/7/2001 نظرت الى وجهه واحلف بالله لقد رايت فى وجهه نورا يتلألأ لم اره من قبل فقلت له ما هذا النور الذى اراه فى وجهك ؟؟فقال لى اننى اشعر باننى سوف القى الله فى هذا الاسبوع بل قد يكون غدا ان شاء الله
فقلت له والله يا اخى لئن كان الامر كما قلت فقد صدقت عيني فى رؤيا للنور الذى بوجهك ولم اكمل حديثي حتى نودى عليه للزيارة فذهب لزيارة اهله ولما عاد وزع ما جاءه من رزق الله على زملائه وكأنه يشعر انه لو اختزنه فى الدنيا لن يكون له فيه نصيب فأحب ان يدخره فى الاخرة فوزع حتى الشنط الفارغة فلما انتهى من التوزيع اتى الى بكتاب 200 سؤال فى العقيدة
وقال لى لو رجعت الى ربي غدا فسوف اترك لك مصحفى فلا تنسانى واقبل الليل بصمته الرهيب فاذا بشاب من شباب الاعدام يقطع هذا الصمت بكلمات ليست فى ذكر الله بل هى من اللغو فقاطعه صاحبي وقال له اتق الله يا فلان لم يبقي من العمر الى لحظات فاغتنمها بذكر الله عزوجل او الصلاة او بقراءة القران فاستجاب له اخوه وقعد يذكر الله عزوجل وقضيا الليل فى القيام حتى اشرق الفجر ..
وعند الفجر كان احد الشاويشية يستمع الى الغناء كان صوت الراديو عاليا فقال له صاحبي اطفىء الراديو واتق الله فان الناس فى صلاة الفجر فلا تشوش عليهم ولو بقراءة القران وبعد لحظات من نهيه عن المنكر سمعت خطوات كثيرة فخفق لها قلبي لانى اعرف ان وراء هذه الخطوات امر عظيم ؛؛ (ألا وهو الموت )... الموت الذى كثيرا ما يزور هذا المكان الرهيب فانطلقت انظر على من سيكون الدور !!
وكانت المفاجأة انى رايتهم فى حجرة صاحبي وسمعته يقول سبحان الله سبحان الله بالراحة بالراحة لا اله الا الله ثم خرج معهم ووجهه يتألق بهذا النور الذى رايته عليه أمس فابتسم لى ابتسامة عريضة كابتسامة الغريق الذى ادركته النجاة ؛؛ ثم سلم علي وقال لى لا اله الا الله
فقلت له ابشر يا فلان فمن كان اخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة .
فأخذ يرددها ويسلم على اخوانه فى الاعدام وهناك فى المكاتب صلى ركعتين سنة القتل واخبرنى من كان معه انه كان يداوم على ذكر الله عزوجل ولا يكلم احدا
اما عند حجرة الاعدام فقد كان امره عجبا !!
لقد خطب فى اللجنة التى جاءت لتنفيذ حكم الاعدام خطبة ذكرهم فيها بالله عزوجل ولما انتهى منها قال لا اله الا الله عليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث ان شاء الله
ثم مضى بخطى ثابتة ثبات الجبال الى حبل المشنقة (( حبل الحياة )) وفى غضون لحظات لا تتعدى دقيقتين كان قد نفذ حكم الاعدام وكان من اعجب اثاره ان احد السجناء كان قد حكم عليه بالاعدام قبل موته بيوم واحد وكان يخشي الموت ويخافه خوفا شديدا لانه شديد البعد عن الله
كانت حجرته تطل نافذتها على مسرح الاعدام مباشرة فرأى صاحبي فى اخر لحظات عمره ورأى فرحه وشوقه الى ربه المنبعث من نور وجهه وسمع خطبته فلما التقيت بهذا الشاب لاسأله عما رأى من حال اخيه قال لى : والله لقد كنت بالامس فى حالة نفسية سيئه للغاية ولما رأيت اخى هذا تمنيت الاعدام الان بشرط ان اكون مثله ..
القصة الثانية
قال أبو عبد الرحمن :
كانت بداية القصة وأنا اتصفح جريدة من الجرائد اليومية حيث قرأت خبر حادثة شنيعة تحت عنوان جريمة فظيعة هزت الأسكندرية
شاب يقتل أمه لأنها رفضت زواجه من إسرائيلية :
وقعت الجريمة فى دائرة قسم محرم بك وقدر الله أن انزل معتقلاً سياسياً فى هذا القسم لبضعة أيام ...
والتقيت هذا الشاب فوجدته شابا نحيفا طويل القامة هادىء الطباع وكانت زنزانتى بجوار زنزانته وكان يمر على أثناء ذهابه للوضوء فلفت نظره أنى رجل ملتحى وأقبل إلىّ متلهفا كأنه وجد ضالته..
وقال لى: يا شيخ أننى ارتكبت جرما كبيرا اننى قتلت امى فهل لى من توبة ؟
فقلت له : يا اخى إن كان ذنبك عظيما فعفو الله عزوجل اعظم والله تبارك وتعالى يقول :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[الزمر :53 ] ..
فتهلل وجهه بالفرح..
فقلت له : يا أخى تب إلى الله وأكثر من الاستغفار والدعاء لأمك عسي الله أن يعفو عنها بدعائك فتعفو عنك يوم القيامه فيغفر الله لك ....
وافترقنا على ذلك وذهبت الى معتقلى وكنت أسكن فى عنبر الإعدام .
ومرت الأيام تلو الأيام وفى ذات يوم رأيت هذا الشاب داخلا على العنبر وقد حكم عليه بالإعدام فاعتنقته
وقلت له: هل تذكرنى .؟
فقال لى نعم اذكرك جيدا فأنت الذى فتح الله على بك أبواب رحمته وأبشرك بأننى منذ تركتك فاننى مواظب على الدعاء والذكر والاستغفار لأمى عسي الله أن يغفر لى ويرحمنى ..
وقد كان كما قال فرأيته شغوفا بذكر الله عزوجل كان مواظبا على قراءة القرآن وكان حريصا على ختمه كل سبعة أيام وما يعلم بشىء من الخير أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وكان من المسارعين إليه وكان حريصا على أن يكون سببا فى الحياة الطيبة لأمه فى الآخره كما كان سببا فى انقطاع الحياة عنها فى الدنيا ...
علم ذات يوم ان من حفظ القران الكريم كاملا شفه فى عشرة من أهله يوم القيامة وكسي والده حلة الكرامة فيكرمان على رؤوس الاشهاد يوم القيامة
فقال لى يا شيخ أحق هو ؟؟؟
قلت : حق ورب الكعبة فاجتهد وتوكل على الله ..
فقال لى : وهل من الممكن أن أصل إلى هذه الدرجة.
فقلت له : ولما لا فقد من الله عز وجل على الصحابة فاخرجهم من ظلمات الكفر وهو أعظم من القتل إلى نور الايمان وهو أكبر الاعمال بل وجعلهم أصحابا لنبيه صلى الله عليه وسلم بل وجعلهم خير أمة أُخرِجت للناس.
فبكي..
وقال : ذنبي كبير يا شيخ ذنبي كبير كبير فانا لم اقتل جارا ولا صاحبا ولا صديقا ولم أقتل إنسانا عاديا (( أنا قاتل أمى )) وانهمرت عيناه بالبكاء .
فقلت له : اخى ابشر بعفو الله { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [ النجم : 32 ]
وماذا يساوى ذنبك فى عفو أرحم الراحمين ...
.يا أخى ان الله عزوجل خلق الرحمة مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة فى الدنيا وادخر منها تسعة وتسعين الى يوم القيامة .
تخيل يا اخى الحبيب برحمة واحدة يتراحم الناس فيما بينهم برحمة واحدة ترفع الفرس حافرها عن ولدها مخافة ان تصيبه ..برحمة واحدة يرزق الله الكافر ويسبغ عليه الكثير من النعم فيطعمه ويسقيه ويكسوه ...كل ذلك برحمة واحدة يا أخى .
فتخيل كيف تكون رحمة ربك فى يوم يتطاول فيه الشيطان بعنقه طمعا فى هذه الرحمة ..
اتدرى لماذا ؟؟
لانه رأى عجبا !!
رأى ذنوبا كبيرة عظيمة يغفرها الله عزوجل ولا يبالى .
وسبحان الله ..ما أن سمع هذه الكلمات حتى استنار وجهه ورأيت الفرح والسرور مزينا لوجهه فرحا بالله ..فرحا بعفو الله وساعتها عاهدنى أن يحفظ القران حتى يختمه فكان يحفظ كل يوم ربعا من القران أو ربعين وكان يسمعها غيبا وفتح الله عليه فاخذ يقرأ فى كتب العلم والعقيدة والسيرة حتى انعم الله عليه بقسط من العلم واستمر على هذه الحال وكان دوما فى ازدياد والحمد لله رب العالمين حتى حفظ القران كاملا وكان يقوم به الليل كل أاربعة أيام او خمسة .
وأحيانا كان يقرأ بألف آية فى الليل حتى يكون من المقنطرين وصام شهرين متتابعين كفارة القتل ثم بعد ذلك صار يصوم يوما ويفطر يوما فكان صواما قواما ..حتى تمنيت أن أكون على مثل حاله فى العبادة والصبر عليها وكان كثيرا ما
يقول لى : كم أنا فى شوق إلى ربي عزوجل ؛ كفى بالموت تحفه للمؤمن ؛ يا شيخ أن أعظم يوم فى حياتى هو ذلك اليوم الذى ينفذ على فيه حكم الإعدام لأنه يوم اللقاء مع الحبيب يوم الرجوع إلى الغفور الشكور الذى يغفر الكثير من الذلل ويقبل القليل من العمل .
فقلت له : جعلك الله من الصادقين فابشر يا اخى برحمة الله عز وجل وفى آخر يوم له فى الحياة .
قال لى : أنا اشعر بأنني سوف يفرج عنى من سجن الدنيا هذه الأيام فبماذا تنصحنى أن أفعله لكى افوز فى هذا اليوم بأفضل الأعمال وأعظم الأجور قلت له أحرص على قول لا إله إلا الله
فانها أفضل الذكر وأعظم فى الميزان من السماوات والأرض.
فقال لى : ما رأيك فى أن أكثر من قول لا إله الا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين ؟..
فتبسمت...
وقلت له : لقد اخترت دعاء عجبا فأن أوله تهليل وأوسطه تسبيح وآخره اعتراف بالذنب فأكثر منه وأرجو من الله أن يرحمك به وأن يتقبله منك برحمته ولا تنسي ان تصلى ركعتين سنة القتل ولا تفتر عن الذكر والدعاء .
وكان عنده شىء من الطعام الطيب فاستاذن وتركنى مسرعا وقال لى أريد أن أفعل شيئا قبل فوات الأوان فأخذ الطعام وتصدق به على إخوانه..
فقلت له : كم بقي من الطعام يا فلان ؟
فقال لى: بقي كله ان شاء الله ...
ثم فارقنى وهو يقول لا إله إلا انت سبحانك أنى كنت من الظالمين وفى عينه نظرات الوداع وكأنه كان يشعر بما ينتظره من أمر الله عزوجل وبعد أن مضى الليل وبرق الفجر ورفع الآذان مجلجلا فى أرجاء الكون فاستيقظت لصلاة الفجر واستيقظ هو وكل من حولنا وحانت ساعة الصفر فقطع سكون الصوت صوت خطوات كثيرة مسرعة تتجه نحو حجرة صاحبي ففتحوا عليه الباب فى خفة الطيور فوجدوه وقد فرغ من صلاته ممسكا بكتاب ربه يرتل ايات من القران فكان أول قول له حين رآهم لا اله الا الله ..إنا لله وإنا اليه راجعون ؛ لا إله إلا الله
فقيدوه واخرجوه وخرج معهم فى سكينة وفرح ووقار قد الهمه الصبر والثبات فى لحظة لا يثبت فيها إلا المؤمنون خرج وهو يردد لا إله إلا الله ..وسلم على إخوانه واحدا بعد الآخر وهم يردون السلام ويقولون لا إله إلا الله ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ..
فانطلقوا به إلى المكاتب ومكث هناك ساعة قال لنا من كان معه أنه توضأ فيها وصلى ومكث يذكر الله عزوجل وقد حاول بعض الضباط ان يعطيه طعاما فقال له أنى صائم والحمد لله ؛ فقد كان يصوم ويفطر يوما وكان من فضل الله عزوجل عليه أن جاءه التنفيذ وهو صائم فسبحان أرحم الراحمين ..وفى تمام الساعة السابعة صباحا مر من وراء المبنى الذى نسكن فيه متجها إلى حجرة الإعدام فرأيته ورآنى ..
فقال لى : السلام عليكم ورحمة الله .. لا إله إلا الله .
فقلت له : ابشر يا اخى الحبيب بعجائب رحمة
{ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس:58 ]
ثم انطلقوا به إلى حجرة الاعدام ونوافذ حجرات أصحابه تطل على هذه الحجرة بحيث يرون عن قرب معظم مراسم الإعدام ويرونه فى آخر لحظات عمره قبل الدخول للتنفيذ فأوصاهم بدوام الطاعة والذكر والثبات على الإسلام حتى الممات ..
وأمرهم أن يقرأوها بترتيل وتدبر لأنه كان يعلم أن الدال على الخير كفاعله ثم استدار الى أحب إخوانه إليه وقال لا تنس قيام الليل يا فلان ثم سجد شكرا لله عزوجل بعدها لقنه الشيخ ثم هرول الى الحبل وما هى إلا لحظات حتى فاضت روحه إلى بارئها .
تغمده الله بواسع رحمته ...وكان من فضل الله عليه انه رأى قبل موته بأيام أمه فى رؤيا وهى تقول له: يا بنى أعلم أننى راضية عنك .
وهذه من المبشرات له برحمة الله عزوجل ....
منقوووول